الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
آخر: آخر: آخر: وقال بعض أهل المعاني: لا يجوز هذا؛ لأنه لا يقال لله عمر، وإنما هو تعالى أزليّ.ذكره الزهراوي.الثالثة: قد مضى الكلام فيما يُحلَف به وما لا يجوز الحلف به في المائدة، وذكرنا هناك قول أحمد بن حنبل فيمن أقسم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لزمته الكفارة.قال ابن خُوَيْزِمَنْدَاد: من جوّز الحلف بغير الله تعالى مما يجوز تعظيمه بحق من الحقوق فليس يقول إنها يمين تتعلق بها كفارة؛ إلا أنه من قصد الكذب كان ملومًا؛ لأنه في الباطن مستخِفّ بما وجب عليه تعظيمه.قالوا: وقوله تعالى: {لعمرك} أي وحياتك. وإذا أقسم الله تعالى بحياة نبيّه فإنما أراد بيان التصريح لنا أنه يجوز لنا أن نحلف بحياته. وعلى مذهب مالك معنى قوله: {لعمرك} و{والتين والزيتون} [التين: 1]. {والطوروكتاب مُّسْطُورٍ} [الطور: 1 2]. {والنجم إِذَا هوى} [النجم: 60]. {والشمس وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]. {لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد: 1 3]. كل هذا معناه: وخالق التين والزيتون، وبرب الكتاب المسطور، وبرب البلد الذي حللت به، وخالق عيشك وحياتك، وحق محمد؛ فاليمين والقسم حاصل به سبحانه لا بالمخلوق.قال ابن خُوَيْزِمَنْداد: ومن جَوّز اليمين بغير الله تعالى تأوّل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بآبائكم» وقال: إنما نَهى عن الحلف بالآباء الكفارِ، ألا ترى أنه قال لما حلفوا بآبائهم: «للجبل عند الله أكرم من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية» ومالك حمل الحديث على ظاهره.قال ابن خُوَيْزِمنداد: واستدل أيضًا من جوّز ذلك بأن أيمان المسلمين جرت منذ عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن يحلفوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، حتى أن أهل المدينة إلى يومنا هذا إذا حاكم أحدهم صاحبَه قال: احلف لي بحق ما حواه هذا القبر، وبحق ساكن هذا القبر، يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكذلك بالحَرَم والمشَاعر العظام، والرُّكن والمقَام والمحراب وما يُتْلى فيه.قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُشْرِقِينَ}نصب على الحال، أي وقت شروق الشمس.يقال: أشرقت الشمس أي أضاءت، وشرَقت إذا طلعت.وقيل: هما لغتان بمعنًى.وأشرق القوم أي دخلوا في وقت شروق الشمس.مثل أصبحوا وأمسوْا، وهو المراد في الآية.وقيل: أراد شروق الفجر.وقيل: أوّل العذاب كان عند الصبح وامتدّ إلى شروق الشمس، فكان تمام الهلاك عند ذلك، والله أعلم.و{الصيحة} العذاب.وتقدّم ذكر {سِجِّيل}.{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)}فيه مسألتان:الأولى: قوله تعالى: {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} روى التّرمذيّ الحكيم في نوادر الأصول من حديث أبي سعيد الخُدْرِيّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «للمتفرسين» وهو قول مجاهد.وروى أبو عيسى التّرمذيّ عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتّقوا فِراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ {إِن فِي ذلِك لآياتٍ لِلمتوسّمِين}» قال: هذا حديث غريب.وقال مقاتل وابن زيد: للمتوسمين للمتفكرين.الضحاك: للناظرين.قال الشاعر: وقال قتادة: للمعتبرين.قال زهير: وقال أبو عبيدة: للمتبصرين، والمعنى متقارب.وروى الترمذِيّ الحكيم من حديث ثابت عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للَّهِ عز وجل عبادًا يعرفون الناس بالتوسُّم».قال العلماء: التوسّم تفعّل من الوَسْم، وهي العلامة التي يستدلّ بها على مطلوب غيرها.يقال: توسّمت فيه الخير إذا رأيت مِيسَم ذلك فيه؛ ومنه قول عبد الله بن رَوَاحة للنبيّ صلى الله عليه وسلم: آخر: واتسم الرجل إذا جعل لنفسه علامة يُعرف بها.وتوسّم الرجل طلب كلأَ الوَسْمِيّ.وأنشد: وقال ثعلب: الواسم الناظر إليك من فَرْقِك إلى قدمك.وأصل التوسّم التثبت والتفكر؛ مأخوذ من الوَسْم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير وغيره، وذلك يكون بجودة القريحة وحدة الخاطر وصفاء الفكر.زاد غيره: وتفريغ القلب من حشو الدنيا، وتطهيره من أدناس المعاصي وكدورة الأخلاق وفضول الدنيا.روى نَهْشَل عن ابن عباس {للمتوسمين} قال: لأهل الصلاح والخير.وزعمت الصوفية أنها كرامة.وقيل: بل هي استدلال بالعلامات، ومن العلامات ما يبدو ظاهرًا لكل أحد وبأوّل نظرة، ومنها ما يخفى فلا يبدو لكل أحد ولا يدرك ببادىء النظر.قال الحسن: المتوسمون هم الذين يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك الكفار؛ فهذا من الدلائل الظاهرة.ومثله قول ابن عباس: ما سألني أحد عن شيء إلا عرفت أفقيه هو أو غير فقيه.وروي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما كانا بفِناء الكعبة ورجل على باب المسجد فقال أحدهما: أراه نجارًا، وقال الآخر: بل حدّادًا، فتبادر من حضر إلى الرجل فسأله فقال: كنت نجارًا وأنا اليوم حدّاد.وروي عن جُنْدَب بن عبد الله البَجَلِيّ أنه أتى على رجل يقرأ القرآن فوقف فقال: من سَمّع سمّع الله به، ومن راءى راءى الله به.
|